مكتب جماعة الفضلاء في الديوانية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مكتب جماعة الفضلاء في الديوانية

موقع ينشر فكر المرجع العراقي آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الحلقة الخامسة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابن المرجعية
فضلائي نشط
فضلائي نشط



المساهمات : 33
تاريخ التسجيل : 10/05/2008

الحلقة الخامسة Empty
مُساهمةموضوع: الحلقة الخامسة   الحلقة الخامسة Emptyالأحد مايو 11, 2008 7:55 am

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد واله الأطيبين الأطهرين
سادسا: الجانب المأساوي
طرح المأساة في فكر السيدة زينب هو لأجل بذر النقمة على الظلم والقهر والاستبداد، وتأمين حتمية النهوض لإبعاده والقضاء عليه، ومحاسبة مقترفيه ومؤيديه والمتعامين عنه بجهل أو تجاهل لتكون عاملا أساسيا في تحريك التاريخ وتوليد طاقة التغيير اللازمة لإزاحة الواقع المعادي للإنسان. إن الجانب المأساوي لا يتمثل بأن نتذكر ما جرى على أهل البيت من ظلامات ونبكيهم كما بكاهم أهل الكوفة ندما أو استغفارا، فثقافة البكاء أسسها أهل الكوفة بعد خيانتهم لسبط رسول الله وتخليهم عن نصرته، والبكاء كما أوردنا كان في بيت يزيد ندما وحسرة على ما اقترفت أيدي يزيد وأزلامه فبكته وندبته حسرة وألما بنت يزيد (عاتكة) وزوجته (هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز) وأول مجلس عزاء على الحسين أقيم في قصر يزيد بدمشق. فالسيدة زينب وعيالات الحسين استمدوا من وصية الإمام الحسين منهجا وصلابة وصبرا وطاعة، فالإمام جمع السيدة زينب والنساء ليلة عاشوراء وقال لهم: (يا أختاه يا أم كلثوم يا فاطمة يا رباب انظرن إذا قتلت فلا تشققن عليّ جيبا ولا تخمشن وجها ولا تقلن هجرا). لذلك اعتمدت السيدة زينب (ع) في طرح المأساة أسلوبا غايته اجتثاث الظلم والقهر والاستبداد، والقضاء عليه، ومحاسبة مقترفيه ومؤيديه والمتعامين عنه بجهل أو تجاهل فأسست ثقافة المواجهة بتعرية الظالم وبذر النقمة على الظلم وتهيئة العوامل الأساسية وأسس إزاحة الواقع المعادي للإنسان على مدى الأجيال ليحمل الإنسان على مر الدهور حرية الرأي وعدم الهيمنة والتسلط واستعمال السلطة لأجل القهر والعبودية وشراء الذمم والقبول بالأمر الواقع، وعمدت بمنهجيتها على إحقاق الحق وإزهاق الباطل وفق أسس ومبادئ التعاليم السماوية التي جذبت قناعة كل من عرف واستمع من بني الإنسان مهما كان معتقده. فالمواجهة الزينبية إرادة سماوية شاء الله أن يراها بشكل السبي (وهنا الإنسان في أضعف حالاته) لكن السبي عند المؤمنين حقا بالله لا يزيدهم إلا قوة بحول الله وقوته وعزما بتغيير الموازين وإرساء سلطة الحق على الأرض واقتلاع فكر الباطل ليبقى الإنسان حرا بفطرته ناجحا في مسيرته ملتزما بالقيم العليا بإخلاص عبوديته لله وحده، وهذا هو فكر الإسلام الحق بوحدانية الله لا شريك له ولا عديل ولا تغيير لأمره ولا تبديل، وأما البكاء لم تتبعه السيدة زينب(ع) أسلوبا في المواجهة، وما ذكر في أحاديث أسندت إلى بعض أئمتنا وسادتنا وقادتنا (ع) حول البكاء على الحسين وتذكر مصيبة الحسين (ع) فهذا لا يشكل مشكلة وتعارضا مع المنهجية الزينبية؛ فالأئمة(ع) مراجعنا العليا إلى قيام الساعة شغلوا كل أوقاتهم بإصلاح المجتمع والإنسان والاهتمام بتثقيفه وتعليمه والحفاظ على عقيدته ومبادئه ونشر فكر الإسلام والحرص على حرية الإنسان وكرامته وعزته ومن ذلك كانت حرية إبداء الرأي، ففي عهد الإمام جعفر الصادق(ع) أنشئت مدارس ومذاهب إسلامية متعددة لم يتعرض لها بأي سوء أو بغض أو شحناء بل آزرها واهتم بمنهجيتها وقدم لها الكثير فاستمرت تلك المدارس بمنهجية واحدة هي الالتزام بفكر أهل البيت والدفاع عنه وعدم المساس بأصوله ومبادئه ودفع أئمة هذه المذاهب حياتهم واستقرارهم ثمنا للحفاظ على مبادئ منهج أهل البيت(ع) والالتزام التام بها وعدم الانصياع للظلمة المارقين من حكام الجهل والضلالة والردة فأئمتنا كانوا مع إصلاح حال المجتمع وحل مشاكله وكانوا النهج القويم في بناء الإنسان والحفاظ على كرامته وعزته ولم تكن مجالسهم مجالس بكاء وندب وعزاء اقتداءً بمنهجية السيدة زينب المقدسة (ع)، فالسيدة زينب كانت منهج البيت المحمدي المطبق على أرض الواقع بعد واقعة كربلاء، منها تؤخذ الحكم وعليها تعوّل الهمم، فغدت من وقتها مرجعا أعلى تهفو لها القلوب وتذوب في كلامها الأرواح، وكان ولا يزال كلامها طاقةً يُستمد منها في تطبيق نظم الحرية ومنهجا في تعريف معنى الديمقراطية إذ كان إعلامها أمضى من السيف في قطع ألسنة الطغاة وطمس أفكارهم ومخططاتهم الهدامة ودحض أباطيلهم الفتاكة. من هنا كانت السيدة زينب(ع) تنظر إلى مستقبل مشرق لعالم تقوده مرجعية هي المرجعية التي أسست لها أساسا متينا وقامت على حمايته بإذن الله واستماتت من أجل الإبقاء على هذه المرجعية المتمثلة بمراجعنا العظام أئمتنا وسادتنا وقادتنا الأطهار من ذرية الحسين(ع) والتي تركت للعالم كله السبل الموفقة والمستقيمة في الوصول إلى الغايات السامية والأهداف المنشودة بالاعتماد على الشريعة الغراء التي ما تركوا بها نقطة إلا وقاموا على توضيحها ووضع أدلة وبراهين على أن تصبح جلية إلى كل الأجيال القادمة فمَن تفهمها وسار عليها فاز ونجا ومن تخلف وانحرف عنها خاب وهوى، وما يحتاج الإنسان إلا لمراجعة سريعة لتلك الشريعة وقراءة واعية لها وتفهم مضمونها والسير وفقها امتثالا لوصية نبينا محمد (ص): (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي؛ أحدهما أعظم من الآخر؛ كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما)(سنن الترمذي، ج5ص663).
فمن ذلك كانت المرجعية التي سعت إليها السيدة زينب (ع) مرجعية لها حول وقوة بحول وقوة الله تعالى فأطاعت الله طاعة مطلقة لم تنحرف بخطوة عن كلام الله فعلمت قوله وفقهت أحكامه وساعدت الناس على تطبيق أحكام الله وشرائعه فقال تعالى: {لا يمسه إلا المطهرون} وبذا كانت إذا أرادت شيئا أن تقول له كن فيكون (عبدي أطعني تكن مثلي أو مثلي تقل للشيء كن فيكون) فلم تلتفت لأي لذة أو مكسب دنيوي لأنها ترفعت عن تلك المطالب للرفعة الإلهية المكتسبة فأعطت الخلق دون مِنّةٍ غايتها أن تنفع الناس وأن تنشر المحبة والسلام والأمن والاستقرار وتجمع بني البشر تحت مظلة الوحدة والإخاء وأن يبقى الإنسان مكرما بتقواه كما أراده الله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وأن تبني كرامة وعزة الإنسان، فقد تصدى لها حكام الضلالة الذين أعدوا لمحاربتها ما استطاعوا من بطش وقوة وعتاد ونفوس ضعيفة ومنحرفة لبناء مرجعية بديلة ولكن الله أبى أن يطفأ نور مرجعية أهل البيت(ع) الأصيلة والمعينة بأمر إلهي {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين}، فنفذت لأرواح الخلق أجمع وأخذها المتفهمون مسلكا ومنهجا وسبيلا لبناء حضاراتهم ومجتمعاتهم مؤمنين بصلاحها وإصلاحها وعدالتها وتقواها واستقامتها، فقبلوها واقتدوا بمنهجيتها وساروا بخلقها الرفيع دون تذمر وتخوف وتهاون، والمرجعية في منهجية السيدة زينب(ع) هي مرجعية أهل البيت(ع) كلها وتتمثل بمودة ووحدة متكاملة لا تحزب ولا تخريب، فمرجعية أهل البيت أنهم حزب إلهي واحد بعنوان وتسمية إلهية ونظام ومؤسسة ضمن شريعة الله وكل خروج عن هذه الشريعة يصطف في الجهة المناوئة، وهذا ما أوضحته السيدة زينب (ع) بقولها ليزيد:
(ولئن جرّت عليَّ الدَّواهي مخاطبتك، إنّي لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكثر توبيخك.... ألا فالعجب كلّ العجب، لقتل حزب الله النّجباء بحزب الشيطان الطلقاء!! فهذه الأيدي تنطف من دمائنا، والأفواه تتحلّب من لحومنا، وتلك الجثث الطّواهر الزواكي، تنتابها العواسل وتعفّرها أمهات الفراعل ولئن اتّخذتنا مغنماً، لتجدنّا وشيكاً مغرما، حين لا تجد إلاّ ما قدّمت يداك، وما ربّك بظلام للعبيد، وإلى الله المشتكى وعليه المعوّل.
فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها.
وهل رأيك إلاّ فند ؟ وأيّامك إلاّ عدد؟ وجمعك إلاّ بدد؟ يوم ينادي المنادي: ألا لعنة الله على الظالمين.
والحمد لله ربّ العالمين، الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة، إنّه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل).
ولأن الصراع بين أهل البيت(ع) وحكام الضلالة في نظر السيدة زينب ليس صراعاً على اكتساب الحكم، بل هو امتداد للصّراع الدائم بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بين حزب الله وحزب الشيطان، وكل من يريد أن ينضوي تحت راية الحق فهو حزب الله، وحزب الله لا يحتاج إلى انتماء أو فئة من الناس أو علامة يشار بها إليه أو هوية ينعت بها لأن كل من يراقب ويتأمل ويتفاعل ويتفهم حقيقة ومسيرة ومنهجية أهل البيت (ع) فهو من حزب الله {وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُون}، وهذا التشخيص التفريقي كان واضحا وجليا في خطاب السيدة زينب(ع)، كل فرد أو جماعة أو نظام دولة أو مؤسسة دولية تستوعب هذه المنهجية وتبني نظامها وفق تلك المنهجية هي حزب الله حقا ولن يكون إلا النصر حليفه طال الزمن أم قصر ولا يحق لأحد أن يعترض طريقه أو يوقفه عن هذا الانتماء حتى لا تكون هذه التسمية حكرا لأحد فتجابه نعوتا لا ترضي الله تعالى نتيجة تصرفات تصدر من بعض من يتبنى التسمية ولا يعمل بأسسها، فكانت السيدة زينب حريصة على التفريق بين من ادعى أنه عمل بنظام الله وقاتل ابن بنت رسول الله فعملت على تعريته ووضعه في الخانة التي يصنف بها، وبينت أن أهل البيت ونظامهم ومنهجيتهم هم حزب الله فلا غالب لهم وإن تجرأ الظالم المرتد على قتلهم فهؤلاء قوم كتب عليهم القتل فخرجوا إلى مضاجعهم، أما حزب الشيطان مهما زيِّن له النصر المزيف فـ (كد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها). أما بقية الأحزاب الدنيوية التي تؤسس لأنظمتها منهجية وقوانين وبرامج تراها مناسبة لتطبيقها على الأرض سواء كانت بعيدة عن منهجية أهل البيت أو مقاربة من الناحية النظرية دون التطبيق الحرفي لدستور وقانون الله عز وجل فينطبق عليهم قول الله عز وجل: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون}،وهذه القراءة القرآنية جسدتها السيدة زينب(ع) في خطابها التوجيهي الشمولي الفريد.
ومن خلاصة هذه الدراسة يتبين لنا أن منهجية السيدة زينب(ع) وبياناتها المتعددة بعد واقعة كربلاء كانت تثبيتا وترسيخا لمفاهيم الرسالة المحمدية التي اختارها الله دون سواها لحمل هذه المفاهيم ونشرها للعالم أجمع، والتي أراد قادة الردة اجتثاثها من أساسها وتفتيتها بتهميش تعاليم الرسالة والاستهزاء بمفاهيمها والعودة بالناس إلى عصر الجهالة والانحطاط والتخلف والقهر واستعباد الناس وخلق الفوضى من خلال التمييز العنصري والطبقي وعبادة الأوثان التي هي رمز جهالتهم وأباطيل أعمالهم وبث الرعب بين صفوف الناس وإرهابهم بالقوة والتجويع في قبول جهالتهم، ولكن الله أبى ذلك فمكّن عليهم امرأة قوية بقوة الله، فقيهة بكلام الله، عالمة بمعرفة الله، سيدة بيت رسول الله، وتمكنت بإيمانها وثباتها ومصداقيتها وفصاحتها وبلاغها من أن تكون سيفا قاطعا لألسنة الردة والكفر والنفاق والبغي وتصحيح الرأي العام بنور كلام الله ونهج رسول الله، فكان بيانها منطلقا للتمييز بين الخير والشر والحق والباطل فأعطت مقارنة بين الوجه المشرق للحق وضرورة التمسك بأوتاده وبين الوجه المشوه للباطل وضرورة ارتداد الخلق عليه وعدم التلوث بخرافاته وجهالته بعد أن نوّر الله طريق الناس كل الناس بحقيقة مفاهيمه وصدق تعاليمه، فحفظت السيدة زينب بمنهجيتها المقدسة كرامة الإنسان وعزته وحقوقه من عبث العابثين وبغي الظالمين فكان سبيها إعلاء لكلمة الله، وقيدها تحريرا لعباد الله، وبيانها تثبيتا لأركان دين الله.
فسلام على الفقه الإلهي الأتم، والجبل المحمدي الأشم، والغيث العلوي الأعم... سلام على بضعة الزهراء، سليلة بيت الكساء، الإنسية الحوراء، زينب المقدسة ورحمة الله وبركاته، وصلى الله وسلم على سيدنا خاتم النبيين محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الحلقة الخامسة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مكتب جماعة الفضلاء في الديوانية :: خاص بالمرجع (دام ظله) :: مناسبات أهل البيت (عليهم السلام)-
انتقل الى: