علم الانسان او الانثروبولوجيا هو علم يهتم بكل اصناف واعراق البشر في جميع الاوقات، وبكل الابعاد الانسانية. فالميزة الاساسية التي تميز علم الانسان بين كافة المجالات الانسانية الاخرى هو تاكيده على المقارنات الثقافية بين كافة الثقافات. هذا التميز الذي يعتبر اهم خاصيات لعلم الانسان، يصبح شيئا فشيئا موضوعَ الخلافِ والنِقاش، عند تطبيق الطرقِ الانثروبولوجية عموما في دراسات المجتمعِ او المجموعات. وعلى الرغم من ان البعض يعتبر الرحالة المسلمين امثال بن بطوطة هم اول علماء انثروبولوجيين عرفهم العالم الا ان اهم علماء الانثروبولوجيا الذين اهتموا به كعلم له موضوعه وخصوصيته هم ايفانس بريتشارد ورادكلف براون وليفي شتراوس وروث بندكت وماكريت ميد وغيرهم.
يقسم علم الانسان بشكل تقليدي الى اربعة حقول:
علم الانسان الحيويBiological anthropology:
يتطرق هذا الفرع الى تحليل تنوع جسم الانسان في الماضي والحاضر على حد سواء. ومن ثم فهو يدرس التطور الجسماني للانسان بالاضافة الى العلاقات بين الشعوب الحالية وتاقلمها مع محيطها. تطرّق هذا العلم في بعض الاحيان الى دراسة تطور الرئيسات وكان يسمى علم الانسان الطبيعي مع وجود اختلافات في المفاهيم.
علم الانسان الطبيعي physical anthropology :
الذي يدرس الرئيسات primatology ، و تطور النوع البشري human evolution، وعلم الوراثة الجماعي population genetics ؛ هذا الحقلِ يدعى ايضا احيانا علم الانسان الحيوي biological anthropology .
علم الانسان الثقافي cultural anthropology :
(و يدعى علم الانسان الاجتماعي social anthropology والان في اغلب الاحيان يعرف بعلم الانسان الثقافي-الاجتماعي socio-cultural anthropology ). المجالات التي درست من قبل علماء الانسانيات الثقافيين تتضمن شبكة العلاقات الاجتماعية، الانتشار البشري diffusion ، السلوك الاجتماعي، القرابات الاجتماعية ، القانون، السياسة، العقيدة ideology ، الدين، الاعتقادات، الانماط في الانتاجِ والاستهلاك، التبادل، التربية، الجنس الاجتماعي gender ، وممارسات الشعوب الاخرى في الثقافةِ، مع التاكيد القويِ على اهمية العمل الميداني، وبمعنى اخر: المعيشة بين المجموعةِ الاجتماعيةِ التي تُدْرَس لفترة زمنية طويلة.
علم الانسان اللغوي linguistic anthropology :
الذي يدرس الاختلاف في اللغة عبر الوقت والمكانِ، الاستعمالات الاجتماعية للغة، والعلاقة بين اللغة والثقافة.
ايضا هناك علم الاثار archaeology ، الذي يدرس البقايا المادية للانسانِ في المجتمعات. و علم الاثار يعتَبر علما بحد ذاته يَفصل كحقل دراسة مستقل، بالرغم من انه وثيق الصلة مع الحقلِ الانثروبولوجي من حيث دراسة الثقافة المادية material culture ، التي تَتعامل مع الاجسامِ الطبيعية التي خَلقت او استعملت ضمن مجموعة حية راهنة او ماضية كمحاولة لفهم قيمها الثقافية.
مؤخرا ،بدات بعض برامجِ علم الانسان بتقسيم الحقل الى اثنين، اتجاه واحد يؤكد العلوم الانسانية humanities و النظرية النقدية critical theory ، الاخر يؤكد العلوم الطبيعية و العلوم التجريبية empiricism.
تاريخ علم الانسان
ميز عالم الانسانيات ايريك ولف علم الانسان على انه الاكثر علمية من بين جميع العلوم الانسانية، والاكثر انسانية من بين جميع علومِ الاجتماعيات . و استعراضنا لتاريخ تطور علم الانسان سيساعدنا كثيرا في ادراك مدى تكيفه مع كافة المجالات و الحقول البحثية .
يدعي علماء الانسانيات ان عددا من المفكرين الاوائل هم السباقون لايجاد علم الانسان و ان علم الانسان متعدد المصادرو المشارب ، لكن يبقى من الافضل تحديد رؤيتنا لنشاة علم الانسان على انه ثمرة عصر النهضة الاوربية، العصر الذي بدات فيه محاولة الاوربيين لدراسة السلوك البشري بشكل نظامي يخضع لقواعد و انظمة فقاموا بدراسة التقاليد و الشرائع، و التاريخ، و علم فقه اللغة وعلم الاجتماع .. في ذلك الوقت تطورت العلوم الاجتماعية بشكل عام و من بينها علم الانسان . في الوقت نفسه ، اتت ردّة الفعل الرومانسية على التنويرِ التي انجبَت بعض المفكّرين مثل هيردر ولاحقا وليم ديلتي اللذين اسسا مفهوم الثقافة الذي سيحتل موقعا مركزيا في علم الانسان .
هذه العلوم بمجملها كانت تحاول ان تحل احدى اهم المعضلات التي تطرحها الحداثة : في الوقت الذين يكون فيه العالم يصبح اصغر و اكثر ترابطا ، نجد ان خبرات الافراد تتشظى و يصبحون اكثر فردية و انعزالية و هذا ما سجله مبكرا كلرل ماركس و فريدريك انجلز . و بدل ان يؤدي ذلك الترابط العالمي الى مزيد من التضامن الانساني كانت تزيد النزعات العرقية و الطائفية و الدينية من انقسام البشر و تمايزهم .
من الواضح ان علم الانسان بدات جذوره من التاريخ الطبيعي ، الذي كان يدرس طبيعة المجتمعات البشرية في المستعمرات الاوربية ، فكان الباحثون يفتشون في جميع نواحي الحياة و الثقافة في هذه المستعمرات بالتوازي مع تغطية و تصنيف الممالك الحيوانية والنباتية في هذه المستعمرات ، و ربما كانت هذه النشاة هي ما يجعل الكثيرين يربط بين الانثربولوجيا و الاستعمار و الامبريالية باعتبار الانثربولوجيا اداة استعمارية للتحكم بشعوب المناطق المحتلة . يمكن ان نسجل ان نشوء هذا العلم حدث بالترافق مع ميل في عصر التنوير في القرن الثامن عشر لدراسة المجتمعات البشرية كظاهرة طبيعية تعتمد على مبادئ بسيطة بمثابة قوانين طبيعية تحكم تحركها و تغيراتها و يمكن رصد متغيراتها تجريبيا . فمن ضمن الدراسات التي كانت تتم في المستعمرات الاوربية كانت تتم ايضا دراسة للمجتمعات البشرية و عاداتها و قيمها و نظامها الاجتماعي اضافة لدراسة المملكة الحيوانية و النباتية للمنطقة (الفاونا و الفلورا) ، لكن رغم هذا الارتباط الوثيق في النشاة مع الاستعمارية و النظرة الشوفينية الاوربية الا ان علم الانسان تطور لاحقا بشكل مستقل ليكون علما يحاول قدر الامكان ان يكون تجريبيا مستقلا شانه شان بقية العلوم مما افرز لاحقا بعض علماء الانسان الذين يتمتعون بتعاطف كبير مع الشعوب الفقيرة المستعمرة . علم الانسان ايضا تطورت مناهجه بالترافق مع المناهج البحثية لبقية العلوم الانسانية و يعتبر من اوائل العلوم التي طبق ضمنها كلود ليفي شتراوس مناهج البنيوية و من ثم ما بعد البنيوية و من ثم ارتبط مع المدراس الفكرية الحداثية و ما بعد الحداثية .
الأربعاء مايو 14, 2008 12:44 pm